الطفل في قبضة الشاشة - عبدالحليم حمود pdf

في خضم الثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم، يعيش الطفل انفتاحا واسعا أمام كم هائل من المعلومات والأخبار، التي تأتي عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الحديثة، حتى يمكن القول بأن الأخبار تنفذ من مسام الجلد لكثرتها وسهولة وصولها إلى كل الأطفال، وأمام هذا التحدي الكبير، يأتي أدب الطفل كواحد من المداميك المهمة، التي تُسهم في إثراء ثقافة الطفل وتنمية
خياله وتعميق مفاهيمه وتوسيع مداركه وتفجير طاقاته وتحقيق المتعة والتسلية والمرح وإضفاء لحظات الجمال البصري والحسي والوجداني.
والطفل أمام زخم إعلامي متنوع ومتناقض ومتسارع يتماس مع تفكيره وعواطفه واتجاهاته، إلا أن القضية الأهم لدى الطفل تحقيق انسجامه مع ذاته ومع المحيط الذي حوله، ليكون عضوا نافعا وبانيا ومفيدا.
الطفل يشاهد الأحداث السياسية مثل الكبار ويتأثر ويتألم، الطفل ينساق مع الرياضة ويتعاطف ويحدد ميوله الرياضية، الطفل يشاهد كل شيء عبر الشاشة الملونة أو الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، وتكون ردة فعله إما بالحزن أو الاندهاش أو الإعجاب أو الانكفاء ثم الإحباط.
وهنا يأتي دور أدب الطفل كحلقة مهمة ونافذة ضرورية لإشباع ميوله وتنمية مواهبه وصقل قدراته وتعزيز القيم والمثل الرفيعة، بإيضاح منابع الخير ومنابت الشر وتنبيهه لجذور الفساد وتحقير السلوكيات الخاطئة وتعزيز الأخلاقيات والمبادئ وإشباع عواطفه.
ويأتي دور المادة الثقافية أيا كانت، مكتوبة مصورة، مسجلة، ممسرحة، ومدى انسجامها وتناسبها مع الطفل بحسب التمايز الذكائي والفروق الفردية والاختلاف العمري، مع مراعاة الأطوار مثل الواقعية والخيالية والعاطفية والمثل العليا بحسب عمره، مع الاستفادة من التراث الإنساني والتقيد بالقيم الإنسانية والأعراف السائدة والنافعة.
ورغم أهمية وخطورة هذه المرحلة، إلا أننا نلحظ قلة وضعف المادة الثقافية أيا كان نوعها المقدمة للطفل، وقد نعزو ذلك إلى تضاؤل نسبة المتخصصين في أدب الطفل، فضلا عن انصراف كثيرين إلى جوانب أخرى ولا يتوقف عند هذا الحد، بل حتى البرامج المرئية في غالبها مترجمة حرفيا لأعمال أجنبية، وكثير منها لا يتواءم مع ثقافتنا وعاداتنا وقيمنا، بمعنى أن ضررها وارد مع استمرار بقاء الأطفال ساعات طويلة في متابعة تلك الأفلام، التي في مجملها تتناقض مع القيم الإسلامية والأعراف الاجتماعية، وأمام التحديات الثقافية والإعلامية نحتاج إلى عقد مؤتمرات تعنى بأدب الطفل، ويمكن الخروج بتوصيات تعزز هذا الجانب وتفتح منافذ لأعمال تحقق المتعة والفائدة لأطفالنا كبدائل ضرورية لتلك الأفلام، التي يتسمر أطفالنا أمامها وتحمل ثقافات لا تروق لنا ولا تنسجم مع ذواتنا. ويأتي دور المؤسسات التعليمية كالجامعات أو المؤسسات الثقافية سواء أندية أدبية أو جمعيات ثقافية أو غيرها، في وضع خطط تهتم بهذه الشريحة المهمة في بنية المجتمع.
لا أدري إلى متى نستورد كل شيء حتى الثقافة نستوردها مثلها مثل السلع المتنوعة التي ملأت الأسواق، وفي ظني أن الجامعات الخليجية أيضا يُعول عليها في استكناه مكامن خطر الغزو الإعلامي المقنن والبحث عن بدائل مناسبة، ولا يتأتى إلا بوضع استراتيجية في هذا الشأن.
الطفل كما يقول علماء النفس صفحة بيضاء يمكن ملؤها بالمضر أو المفيد وتظل راسخة على مدى عمره، وكذلك منقوشة في وجدانه، ويظل الطفل أمانة في أعناقنا ونحن مطالبون بتكريس الاهتمام بهم، بما يحقق لهم التوازن النفسي والجسدي ويثري عقولهم وينمي قدراتهم ويصقل مواهبهم.
وحين تفكر بعض الجهات في وضع برامج خاصة بالأطفال، تظل مخجلة لا تتوازن مع الكم الهائل الذي يحيط بهم من كافة الجوانب، والأخطر تلك التي تزين لهم أساليب الشر، مما قد ينساقون ويصبحون مطية لتنفيذ ما تود الجهات المخططة في سلب قدراتهم والتحكم فيهم عن بعد.

مصدر المقال : الشرق

الكتاب : الطفل في قبضة الشاشة
المؤلف: عبدالحليم حمود
الناشر : دار الهادي  - بيروت

الحجم : 3.9
م.ب. 

الطبعة : الأولى 2008 م
عدد الصفحات : 121

معاينة الكتاب : Archive - G.Drive

↓Download Archive

↓Download Cloudup

↓Download D.google

↓Download Cloud.mail

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسامة بن زيد أصغر قائد في الإسلام للصف الثاني الإعدادي pdf

عالم المعرفة 416 : الفيض - أمراض الحيوانات المعدية و جائحة الوباء التالية بين البشر الجزء الثاني pdf

التغذية الراجعة المستمرة كيف تحصل عليها وكيف تستخدمها pdf